التصنيفات
Shalimar Tribune وكالة الأنباء الهندية الكتاب والأدباء اللغة العربية في الهند المسلمون في الهند الأدب والفنون التاريخ الإسلامي الدراسات الإسلامية الرجال البارزون الشيوخ والكبار العلماء المسلمون تاريخ ملوك نظام بحيدر آباد تاريخ نواب آركوت تاريخ المغول بالهند تاريخ السلاطين بالهند تاريخ تاميل نادو تاريخ جنوب الهند تاريخ سلاطين بيجافور تاريخ سلاطين غوجرات تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها

البروفيسور خالد حامدي في ذمة الله

هذه سنة من سنن الله عز وجل أن من ولد في هذه الدنيا فإنه سيموت ويرتحل إلي الدار الآخرة طبقا لقوله تعالى: كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. وكل منا سيلقي هذا المصير إلا أن البعض تكون بموته خسارة كبيرة لا تنسى إلى زمن بعيد ويزداد الهم والغم أضعافا مضاعفة، وهكذا كانت رحلة البروفيسور سيد خالد حامدي. حدث هذا الأمر الفاجع في اليوم التاسع من شهر يناير سنة ٢٠٢٢م.

ولد الاستاذ عام ١٩٥٦م في بلدة رام بور بولاية أوترا برديش الهندية. وتلقى تعليمه البدائي من أبيه العلامة سيد حامد علي ونال شهادة الفضيلة من جامعة الفلاح بأعظم جراه، وبعده التحق بالجامعة الملية الإسلامية بنيو دلهي، وواصل دراسته هناك حتى أكمل الليسانس والماجستير والدكتوراه، وفاز بالدرجة الممتازة في جميع الشهادات العلمية. ومن حسن حظه أنه انتخب الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية بالجامعة الملية الإسلامية سنة ١٩٨١م، ثم ترقى إلى درجة البروفيسور وتقاعد من الجامعة في السنة الماضية فقط.

كان الأستاذ خالد متدينا ملتزما وصاحب الغيرة في قضايا الدين والشريعة وهو رجل القلم وصاحب كلمة الحق في وجه الباطل وأهله، كما قد ساهم إلى مجالات تاريخ الإسلام وتاريخ الأدب العربي، وكان له دقة نظر في علوم القرآن والحديث، ووقف نفسه لأجل تقديم التعاليم الإسلامية والعقائد الصحيحة، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، ولهذا كان يعتبر متشددا في إحقاق الحق وإبطال الباطل. قدم الأستاذ أكثر من عشرين مؤلفة في موضوعات مختلفة، نظرا إلى غاية الإفادة وإيصال تعاليم الدينية إلى جميع شعوب الهند لجأ إلى اللغة الأردية والهندية، وهذا لا يعني أنه ما قدم إنتاجه العلمية في اللغة العربية فمن مؤلفاته في لغة الضاد: “تاريخ علم الحديث في الهند”، “مساهمة الهند باللغة العربية في أدب الحديث النبوي” في ست مجلدات.

انتقل الأستاذ خالد الحامدي إلى جوار الله بسبب نوبة قلبية، وصلى عليه صلاة الجنازة عدد كبير من أحبائه وزملائه وطلابه ودفن في مدفن “غور غريبان” الواقع بمجمعات أبي الفضل السكنية في جامعة نغر في نيو دلهي. تقبل الله مجهوداته العلمية وتغمده بنعمه وكرمه وجعل الجنة مثواه.

التصنيفات
Shalimar Tribune وكالة الأنباء الهندية القضايا الاجتماعية المسلمون في الهند الدراسات الإسلامية الرجال البارزون تاريخ الهند تاريخ احتلال بريطانيا تاريخ استقلال الهند تاريخ جنوب الهند سياسة الهند

محمد عبد الرحمن “الصاحب” مناضل كيرالا ضد احتلال بريطانيا

مضت 100 عام منذ أن خرج المناضل الأعظم من كيرالا ضد استبداد بريطانيا محمد عبد الرحمن “الصاحب” منقطعا من دراساته في الجامعة الملية الإسلامية إحدى الجامعات العظمى في الهند حاليا الواقعة في عليكره (من حيث تأسست هناك في بادية الأمر ثم تغيرت إلى دلهي)، استجوابا لنداء مناضل الهند مولانا محمد علي جوهر، والتحق بمؤتمر حزب المؤتمر الوطني المنعقد في أوتابالام (Ottappalam Conference of INC) يوم 23 أبريل 1921م بمحافظة بالاكات في كيرلا، في طريقه للخوض في تيار النضال التاريخي في كيرلا لاستقلال الهند.

زعامته للحركة في كيرلا مشهودة جدا حتى احتوت على إلقاء خطب أشعلت نار الحرب الزايدة على بريطانيا، ونشر الصحائف والجرائد مثل “الأمين” التي اجتهدت بطريقه نحو ترسيخ قيم الإصلاح الديني وازدهار الوطنية الهندية، والنشاطات القانونية عونا على حركة الاستقلال وغيرها…

ملصقة مليبارية عن خروج محمد عبد الرحمن من الجامعة الملية الإسلامية بعطيك بعليكره والتحاقه بمؤتمر حزب المؤتمر الوطني الهندي.

لقي تعذيبا عظيما من الحكم البريطاني واعتقل مرات متعددة خاصة لمشاركته الرائدة في “حركة عدم التعاون” من حيث لا يتعاون الهنود مع الاستبداد الإنجليزي في أي شكل من الأشكال، أو حركة “ساتياجراها الملح” في ساحل البحر بكالكوت، استجوابا لنداء غاندي لمخالفة “قانون ممانعة صنع الملح” المعلن في ساحل البحر بدندي في ولاية غوجرات عام ١٩٣٠، كما تم حجز جرائده وإيقافها خاصة لما قامت طوائف الاعتقادات الخرافية والأورثدوكسية المسلمة من معاونة السلطات الإنجليزية عام ١٩٣٩؛ كل منها عرفته في تاريخ كيرلا بلقب “أسد كيرالا”.

كان تلميذا سياسيا لرائد القوات المسلحة “جند الهند الوطني” (INA) سوباش تشاندرا بوس من بنغال، كما وقف بكل جهوده ضد فكرة دولتين البشعة (الهند وباكستان) خطة عرضتها بريطانيا أمام الهنود، حتى كتب وخطب ضدها، بعد أن اجتهد كثيرا للتعايش والتسامح بين المسلمين والهندوس خاصة فيما بعد مجازر مليبار بأيدي بريطانيا عام ١٩٢١.

ولد في عام ١٨٩٨ في كودونغالور في مملكة كوشن في تلك الأيام للاحتلال البريطاني. بعد دراساته الثانوي التحق للتعليم الجامعي في مدراس، وبعد ذلك في عليكره بالجامعة الملية الإسلامية التي أسسها بعض من الزعماء المسلمين في حركة الاستقلال الهندي آنذاك.

التصنيفات
Shalimar Tribune وكالة الأنباء الهندية كيرلا مشاكل التعليم وكالة الأنباء الهندية اللغة العربية في الهند المسلمون في الهند الندوات والمقالات الأكاديمية الأدب العربي التعليم الافتراضي تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها

ندولة دولية افتراضية حول التمكين والتطوير في الهند

اختتمت الأمس الندوة الافتراضية حول التطوير والتمكين في تعليم اللغة العربية في الهند، بكونها انعقدت تحت رعاية مركز الدولي للتمكين والتطوير بتونس، بالتعاون مع المركز الثقافي الهندي العربي التابعة للجامعة الملية الإسلامية في نيو دلهي، وأكاديمية التميز بكالكوت.

كان عنوان الندوة بالدقة ‘استثمار المنصات الرقمية لتيسير تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها: (تطبيق) أنس نموذجا’، ويلاحظ أن الندوة انعقدت في وقت العالم فيه يتطلع إلى التعليم الافتراضي والبرامج الافتراضية.

كانت الندوة ممتعة جدا حيث قام الأستاذ عبد الرؤوف النجار يتقديمه بشكل واضح جدا، يبين إمكانيات تعليم اللغة العربية وخاصة بتطبيق “أنس”

فهناك كثير من التطبيقات لتعلم العربية وتعلمها، بمحاسنها ومساويها، فقد عرض الأستاذ عبد الرؤوف في الندوة بشكل جيد، تسهيلات التطبيق الجميلة ما لقي قبولا كبيرا لدى المستمعين من الحرص والإعجاب، في تطبيق “أنس” وكذلك غيره من التطبيقات والوسائل الرقمية من حيث أن يتم استخدامها في تعليم العربية.

يذكر أن الحضار عبروا عن انطباعاتهم الجميلة بالتطبيق وحتى هذه الفكرة، وذلك بعد فهمهم الصحيح عن الإمكانيات الواسعة للتطبيقات من ضمن التعليم الافتراضي والبرامج الافتراضية التعليمية لتعليم اللغة العربية.

لقيت جلسة الأسئلة والأحوبة أخيرا أسئلة عددية، كما هنأ الندوة كبار الأكاديميين والكتاب العرب.

يضاف إلى هذا ما يقوم به المركز الثقافي العربي الهندي بالجامعة الملية الإسلامية في نيو دلهي، من نشاطات ملموسة وخطوات حميدة في نطاق العلاقات الهندية العربية، ويستحق رئيسه د. محمد أيوب الندوي ثناء كبيرا.

ولا يفوتنا ما تقوم به أكاديمية التميز بالهند ورئيسها د. صابر نواس من الإبداعات الجميلة للغاية، حتى هم بدؤوا ندوات افتراضية بشكل مكثر في موسم كوفيد-19، من حيث يبلغ عددها عشرين تقريبا من خلال أربعة شهور الماضية، حتى سبب كل منها تنمية ملحوظة غير مسبوقة في مجال التعليم والتعلم العربي في جامعات عموم الهند وكلياتها كافة!

شاهدوا الفيديو المصدر من قبل أكاديمية التميز بالهند بمناسبة الندوة:

التصنيفات
Shalimar Tribune وكالة الأنباء الهندية أسفار القطار اللغة العربية في الهند الأسفار والسياحة الرحلات والأسفار

رحلة تصفر في الهند!!

كانت ليلة مؤلمة، لأني أفارق أمي وأبي وأخي وأختي، وأسافر لدراسة الماجستير، إلى نيو دلهي، أو دهلي حسب الوثائق التاريخية التي تلقي الضوء على تاريختلك الأرض مما يبدأ من القرون الوسطى إلى ما قبل الاحتلال البريطاني. أنا أودع بيتي الحبيب، وقريتي، وفيها نهري الذي أسبح فيها يوميا، أو أجري فيها مع القوارب الكبيرة واضعا يدي على جوانبها، وميداني الذي ألعب فيها أحيانا…سأكون بعيدا عن تلك الضوضاء الجماعية للمشجعين المتفانيين، عند مشاهدة المباراة لبرشلونا، وميسي، كما أكون غائبا عن جلسات الشاي تلك اليومية، في مطعم جولي الذي سميتها “العصبة الجولية”، محاكا من العصبة الأندلسية. لا أكون مع الألتراس لفريق أرجنتينا، لتعليق العلم الأرجنتيني في أزقة القرية. لا أشرب إذا حليبا عذبا تقدمه لي أمي أو أختي، وقد اندمجت فيه العاطفة، ولا آكل أسماك تطهيها نجاة، أختي، ولا لحما رائعا يعده أبي يوم الجمعة…

ودعت أبي في المحطة وكان يغمغم في الدموع…كان القطار مزدحما قليلا، لكن ركوب القطار مفضل لدي دائما لأنه ينعشنا أو هو الطريقة الأكثر مناسبة للسفر بأقل تعب وملل…كلما يجري هذا الثعبان-الذي يشرب، لا الدم، بل النفط، وينفخ لا السم، بل الدخان. يريح من يسافر فيه، وله إطارات فيجري على سكة الحديد-تنمحي ملامح المناطق التي تعيش فيها أبناء لغتي الأم…ها أنذا أخذت أرى أجمل المناظر الطبيعة، في سطوح “الجبال الغربية”، الممتدةعلى طول منطقة جنوب الهند بقرب المناطق الساحلية في خريطة الهند…الشوارع والأنهار وسط الحقول التي تتصور كالحيات الأكثر طولا في ساحة كبيرة، والجداول التي تلحق بالأنهار لكي تنتهي في البحر العربي، والبرك العديدة التي تحملق عيوننا بجمالتها الفذة، والجبال التي رواسي شامخات تصافح السحب، والآكام التي يذود الرعاة في عشبها الشياه، وفي أيديهم عصيهم مثل عصا موسى عليه السلام، والواديات العجيبة، وفيها أنعام حرة في رعاية أبكار نقية، والمزارع الوسيعة التي تزرع فيها مختلفة الأصناف من المزروعات، ويزرعها الفلاحون الفقراء التعساء عيشا، لكن البسطاء اللطفاء خلقا، ثم الشلالات العجيبة العريضة، البيضاء مثل الصفائح، التي تسقط من عل عال، تحط الجنادل الملساء…

كان القطار بسرعة مرتفعة، وفجأة شعرت بأن شيئا باردا وقع على ساقي…المطر!! الله أكبر، ما أجملت الطبيعة ونعم الحال إن أمطرت السماء!! بدأت بركات السماء تنزل وتبلل القطار، ثم تسقط في الأرض لتخرج بركات الأرض. كنت واضعا يدي على عتبة النوافذ، وأحسست بهبة نسيم يحمل معه برودة تنعش…هرعت إلى الباب لأنظر إلى هذا المنظر الجميل للغاية، ووقفت على العتبة، واضعا جسدي خارج القطار، فكان جلدي يرتجف إحساسا لما تنزل من المزن، وقلبي يقرأ الرسالات السماوية…أصبحت أسلم على كل إنسان يتصور في الشجر، وأهنئ على كل بنت تتصور في الشلالات، راقصة في ملابسها الأكثر بياضا المتبللة…

الحين أنا راقد، وعند الهدوء أمسيت أنصت لصوت الإطارات،المتكرر الموزون،وخاصة عندما تعبر مفصلا بين السكتين، كما أحببت موسيقية الصوت لرابط المحرك الذي يربطه مع حبال الكهرباء فوق القطار، وكانت جميلة جدا حيث تخبر المنتبه إليه بالتفاوت المتسلسل لمعدل سرعة المحرك…القطرات تظل على النوافذ لبرهة، توحيبذكريات شتى، ثم تسقط في الأرض بعد أن ترسم صورا جميلة منمحية على الزجاج…القطار يرقص على السكك بهزات هينة تشبه حركات مهد الطفل.

النفقات إبداع رائع من الإبداعات التي حققها الإنسان بإذن الله، وأنا أحبها منذ طفولتي، ولما أسافر فيها أخاف عن انهيارها، لأنها إن حدثت حادثة فتقتل مائات من المسافرين، المطلعين إلى مستقبلهم الزاهر. مدخل النفقات في صدور الجبال التي نفذت فيها، تشبه لدي دائما الفاه العريض المفتوح للأخطبوط العظيم، الذي انتشر أيديه لنصيبه اليوم، وقد أقفل عيناه وأسكن جسده تماما، حتى لا يشعر الكائن البائس بوجود خطر عظيم قتال. الظلام داخل النفقات شيء جذبتني دائما، وكانت أكثر كثافة مما تعودت عليه من الظلمات، فتشكلت في نفسي خيالات عديدة. الماء المتسرب من فرجات الجلمود تلألأ في ضوء القطار، مثل عيني البكر اللوزيتين خلف نقابها… شعرت أن صدى صفارة المحرك الرنين جعل النفق أوبرا عريضا طويلا، يجرى على منصته الكبيرة قطاري، وأنا كممثل ينظر إلى الخارج، وقد فاضت عيناه شوقا إلى حبيبته الواقفة هناك، هو يودعها والقطار يتقدم، فهي تنهار في دموعها الدرية…

لا أعرف متى نمت أنا، ولكن من الأشعة الرائعة المتدخلة إلى أقدامي، تأكدت أني استيقظت في اليوم الثاني للسفر، وأني أصل اليوم في تلك المدينة السلطانية لفظا ومعنا، نيو دلهي، عاصمة الهند السياسية. كان القطار يجري بأكثر سرعة، لأن في هذه الفترة لا توجد مناطق اتخذها الأنسان مسكنا أو مزرعا، فما للسائق أن يوقفه في محطة، وهذه منطقة صحراوية مشتركة بين الجمهورية الديموقراطية الهندية وجمهورية باكستان الإسلامية. الهواء يصفر، وإذا اجتمعت صفارته مع صفارة المحرك أصبحت صوتا رهيبا عجيبا…أنا فتحت النافذة، وما لبثت أن نظرت إلى الخارج حتى التهب وجهي وأدبرت إلى الوراء، وكان الحرارة قارصة، حتى رأيت-وكنت أستر النافذة-شياها ممتدة تحت الشمس، ماتت من أجل العطش. وقد رأيت هذا المنظر مرارا في وسائل الإعلام، ولكن لأول مرة في السفر أنا أرى بأم عيني، وقد تابعت كثيرا وراءه أمواتا عطشانين…

لم تفتني تلك المعالم المغولية في الحقول، التي تبقى كجثمانات لعظماء لم تدفن بعد، واحدا في عشرة كلومتر تقريبا ثم الآخر، وما هي إلا علامات لحكم السلاطين الذين حكموا الهند لثمانية قرون. أكثرها بنيت في عصر المغول نفسه، بينما الباقي القليل بنيت أيام المملكات المسلمة القديمة والسلاطين قبل المغوليين. إنها من أكبر الشواهد الجامدة لحقبة من تاريخ الهند، تشهد لحوادث أسطورية منها الزحفات البريطانية الاحتلالية وعنفهم الشنيعة، بالإضافة إلا عجائب هندسية صنعوها، والحركات الاستقلالية ضد المستعمرين، وعنف الطبقات العليا على الطبقات الدنيا من الهندوسيين، والشغوب الدامية بين الهندوسيين والمسلمين، التي لم تزل تحرق وجه الهند حتى هذا اليوم، والمجاعات الهائلة، والوبائيات المنتشرة، والكوارث الطبيعية…بدأت أرى إعلانات على الجدران، مكتوبة بالحبر، عن طبيب يعلج الأمراض الجنسية بمقره في دلهي، ورقم التلفون كبير الحجم، لكي يراه كل من المسافرين، من يعاني من ظاهرة عدم تحقيق أكبر الظمأ بعد الظمأ للماء…أنا رفعت من رقودي، وأنظر في النافذة، فكلما يعبر القطار المسافة، أرى علامات التقدم المتمدن الحديثة، التي تزداد عددا وتكبر حجما، وشعرت بأني أشم رائحة العاصمة المندمجة فيها الروائح والملامح للإدارة، والاقتصاد، والسياسة، والديموقراطية، والأكاديمية من الجامعات التاريخية، وكذلك السينما، والخمور، والجنس الخفيف الكاسية العارية المائلة المميلة، والدعارة للمتعة وما هي للقمة، والفقر والشقاوة، وهذه كلها بالإضافة إلى آثار القرون السلطانية، التي كانت منعطفا تاريخيا في الألفية الماضية.

نزلت في محطة نيو دلهي…كبيرة، مزدحمة للغاية، مملوءة بالحقائب المحمولة، والقلق من ضياع القطار المقصود أو الارتياح-من ركوب القطار-للمسافرين، والأغنية الشعبية الحمالين، وأسئلة السائلين، وعبرات المساكين، وحملقات الداعرات، وصفقات الخنثويات والمتحولين، وصيحات وركلات للشرطيين، وقبلات عند المفارقة أو التلاق للأحباء…أكبر شيء علمتني هذه المدينة، هو تطبيق المعاملة الحسنة الخالصة مع الآخرين، الذي قد أمر الله بها ثانيا بعد إفراده عز وجل، وتطبيق احترام المرأة، ذات فائق التقدير في قلبي لشخصيتها المباركة، بالإضافة إلى أن جعلتني أفكر أكثر مما كنت أفعله في الماضي، وأمعن الفكر في النظريات الفلسفية بشكل عام، وأهتم كثيرا ببناء الدولة المشيدة-لو لم نستطع بناء المجتمع-على الديموقراطية والعلمانية والتسامح والتعايش، كما جعلتني أحس أكثر بروحانية الإسلام، الهدي السماوي والصراط المستقيم، لأنها مدينة عاش فيها أمثال علامة الهند الشيخ شاه ولي الله الدهلوي، وولي الأولياءوشيخ المتصوفين نظام الدين، والشاعر ميرزا غالب متنبي للهند وغيرهم من العظماء.

newdelhi Railway stn.